الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
كانت الدولة العباسيـة قـد تمهـدت مـن لـدن أبـي جعفـر المنصـور منهـم وسكـن أمـر لخـوارج والدعاة من الشيعة من كل جهة حتى إذا هلك الرشيد ووقع بين بنيه من الفتنة ما وقع وقتل الأميـن بيـد طاهـر بـن الحسيـن ووقـع حصار بغداد من الحرب والعبث ما وقع وبقي المأمون مقيماً بخراسان تسكيناً لأهلها عن ثائرة الفتن وولي على العراق أحسن بن سهل اتسع الخرق حينئذ بالعراق وأشيع عن المأمون أن الفضـل بـن سهـل غلـب عليـه وحجـره فامتعـض الشيعـة لذلـك وتكلمـوا وطمـع العلويـة فـي التوثـب علـى الأمـر فكـان فـي العـراق أعقـاب إبراهيم بن محمد بن حسن المثنـى المقتـول بالبصـرة أيـام المنصـور. وكـان منهـم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ولقبه أبوه طباطبا للكنـة كانت في لسانه أيام مرباه بين داياته فلقب بها. وكان شيعته من الزيدية وغيرهم يدعون إلـى إمامتـه لأنهـا كانـت متوارثـة فـي آبائـه مـن إبراهيـم الإمـام جـده علـى مـا قلناه في خبره خرج سنة تسع وتسعين ودعا لنفسه ووافاه أبو السرايا السري بن منصور كبير بني شيبان فبايعه وقام بتدبيـر حربـه وملك الكوفة وكثر تابعوه من الأعراب وغيرهم. وسرح حسن بن سهل زهير بن المسيب لقتاله فهزمه طباطبا واستباح معسكره ثم مات محمد في صبيحة ذلك اليوم فجأة ويقـال إن أبا السرايا سمه لما منعه من الغنائم فبايع أبو السرايا يومه ذلك لمحمد بن محمد بن زيد بن علي زين العابدين واستبد عليه وزحفت عليهم جيوش المأمون فهزمهم أبو السرايا وملك البصرة وواسط والمدائن. وسـرح الحسـن بن سهل لحربه هرثمة بن أعين وكان مغضبا فاسترضاه وجهز له جيوش وزحف إلى أبي السرايا وأصحابه فغلبهم على المدائن وهزمهم وقتل منهم خلقاً ووجه أبو السرايا إلى مكـة الحسيـن الأفطـس بـن الحسـن بـن علـي زيـن العابديـن وإلـى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن حسـن المثنـى ابـن الحسن وإلى البصرة زيد بن موسى بن جعفر الصادق وكان يقال له زيد النار لكثرة من أحرق من الناس بالبصرة فملكوا مكة والمدينة والبصرة وكان بمكة مسرور الخـادم الأكبـر وسليمـان بـن داود بـن عيسـى فلمـا أحسـوا بقـدوم الحسيـن فـروا عنهـا وبقـي النـاس في الموقف فوضـى ودخلهـا الحسيـن مـن الغـد فعاث في أهل الموسم ما شاء الله واستخرج الكنز الذي كان فـي الكعبـة من عهد الجاهلية وأقره النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وقدره فيما قيل مائتا قنطار اثنتان من الذهب فأنفقه وفرقه في أصحابه ما شاء الله. ثم إن هرثمة واقع أبا السرايا فهزمه ثم بحث عن منصور بن المهدي فكان أميراً معه واتبع أبا السرايا فغلبه على الكوفة وخرج إلى القادسية ثم إلى واسط ولقيه عاملها وهزمه ولحق بجلولا مغلـولا جريحـاً فقبـض عليـه عاملهـا وقدمـه إلى الحسن بن سهل بالنهروان فضرب عنقه وذلك سنة مائتين وبلغ الخبر الطالبيين بمكة فاجتمعوا وبايعوا محمد بن جعفر الصادق وسموه أمير المؤمنين وغلب عليه ابناه علي وحسين فلم يكن يملك معهما من الامر شيئاً ولحق إبراهيم بن أخيه موسـى الكاظـم بـن جعفـر الصـادق باليمـن فـي أهـل بيتـه فدعا لنفسه هنالك وتغلب على الكثيرمن بلاد اليمن وسمي الجزار لكثرة ما قتل من الناس. وخلـص عامـل اليمـن وهـو إسحـاق بـن موسـى بـن عيسـى إلى المأمون فجهزه لحرب هؤلاء الطالبيين فتوجه إلى مكة وغلبهم عليها وخرج محمد بن جعفر الصادق إلى الأعراب بالساحل فاتبعهم إسحاق وهزمهم ثم طلبهم وطلب محمد الأمان فأمنه ودخل مكه وبايع للمأمون وخطب على المنبـر بدعوتـه وسابقتـه الجيـوش إلى اليمن فشردوا عنه الطالبيين وأقاموا فيه الدعوة العباسية ثم خرج الحسين الأفطس ودعا لنفسه بمكة وقتله ابنيه علياً ومحمداً. ثـم إن المأمـون لمـا رأى كثرة الشيعة واختلاف دعاتهم وكان يرى مثل رأيهم أو قريباً منه في شأن علي والسبطين فعهد بالعهد من بعده لعلي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سنة إحـدى ومائتيـن وكتـب بذلك إلى الآفاق وتقدم إلى الناس فنزع السواد ولبس الخضرة فحقد بنو العباس ذلك من أمره وبايعوا بالعراق لعمه إبراهيم بن المهدي سنة اثنين ومائتين وخطب له ببغداد وعظمت الفتنة. وشخص المأمون من خراسان متلافيا أمر العـراق وهلـك علـي بـن موسـى في طريقه فجأة ودفن بطوس سنة ثلاث ومائتين. ووصل المأمون إلى بغداد سنة أربع وقبض على عمه إبراهيم وعفا عنه وسكن الفتنة. وفي سنة تسـع بعدهـا خـرج باليمـن عبـد الرحمـن بـن أحمـد بـن عبـد اللـه بـن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب يدعو للرضا من آل محمد وبايعه أهل اليمـن وسـرح إليـه المأمـون مولـاه دينـارا واستأمن له فأمنه وراجع الطاعة. ثم كثر خروج الزيدية من بعد ذلك بالحجاز والعراق والجبال والديلم وهرب إلى مصر خلق وأخذ منهم خلق وتتابع دعاتهم. فـأول من خرج منهم بعد ذلك محمد بن القاسم علي بن عمر بن زين العابدين هرب خوفاً من المعتصـم سنـة تسـع عشرة ومائتين وكان بمكان من العبادة والزهد فلحق بخراسان ثم مضى إلى الطالقان ودعا بها لنفسه واتبعته أمم الزيدية كلهم - ثم حاربه عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فغلبه وقبض عليه وحمله إلى المعتصم فحبسه حتى مات ويقال إنه مات مسموماً. ثـم خـرج مـن بعـده بالكوفـة أيضـاً الحسيـن بـن محمـد بـن حمـزة بـن عبـد اللـه بـن الحسيـن الأعـرج بـن علـي بن زين العابدين واجتمع إليه الناس من بني أسد وغيرهم من جموعه وأشياعه وذلك سنة إحدى وخمسين ومائتين وزحف إليه ابن بشكال من أمراء الدولة فهزمه ولحق بصاحب الزنج فكان معه. وكاتبه أهل الكوفة في العود إليه وظهر عليه صاحب الزنج فقتله. وكان خروج صاحب الزنج بالبصرة قبله بقليل واجتمعت له جموع العبيد من زنج البصرة وأعمالها وكان يقول في لفظه من أعلمه أنه من ولد عيسى بن زيد الشهيد وأنه علي بن محمد بن زيد بن عيسى. ثم انتسب إلى يحيى بن زيد الشهيد والحق أنه دعي في أهل البيت كما نذكره في أخباره. وزحف إليه الموفق أخو المعتمد ودارت بينه وبينهم حروب إلى أن قتله ومحا أثر تلك الدعوة كما قدمناه في أخبار الموفق ونذكره في أخبارهم. ثم خرج في الديلم من ولده الحسن بن زيد بن الحسن السبط الداعي المعروف بالعلوي وهو الحسـن بـن زيـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن الحسـن خرج لخمس وخمسين فملك طبرستان وجرجان وسائر أعمالها وكانت له ولشيعته الزيدية دولة هناك. ثم انقرضت آخر المائة الثالثة وورثها مـن ولـد الحسـن السبـط ثم من ولد عمر بن علي بن زين العابدين الناصر الأطروش وهو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر وهو ابن صاحب الطالقان. أسلم الديلم على يد هذا الأطـروش وملـك بهـم طبرستـان وسائـر أعمال الداعي وكانت له ولبنيه هنالك دولة. وكانوا سببا لملك الديلم البلاد وتغلبهم على الخلفاء كما نذكرذلك في أخبار دولتهم. ثـم خـرج باليمـن مـن الزيدية من ولد القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا أخي محمد صاحب أبي السرايـا عـام ثمانيـة وثمانيـن ومائتيـن يحيـى بـن الحسيـن بـن القاسـم الرسـي فاستولـى علـى صعـدة وأورث عقبه فيها ملكاً باقياً لهذا العهد وهي مركز الزيدية كما نذكر في أخبارهم. وفي خلال ذلك خـرج بالمدينـة الأخـوان محمـد وعلـي ابنـا الحسـن بـن جعفـر بـن موسـى الكاظـم وعاثـا فـي المدينة عيثاً شديداً وتعطلت الصلاة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من شهر وذلك سنة إحدى وسبعين. ثـم ظهـر بالمغـرب مـن دعـاة الرافضـة أبـو عبـد اللـه الشيعـي فـي كتامـة مـن قبائـل البربـر عـام ستـة وثمانيـن ومائتين داعيا لعبيد الله المهدي محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق فظهـر علـى الأغالبـة بالقيـروان وبايـع لعبيـد الله المهدي سنة ست وتسعين فتم أمره وملك المغربين واستفحلت له دولة بالمغرب ورثها بنوه. ثم استولوا بعد ذلك على مصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة فملكها منهم المعز لدين الله معد بن إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله المهدي وشيـد القاهـرة. ثـم ملـك الشـام واستفحل ملكه إلى أن انقرضت دولتهم على العاضد منهم على يد صلاح الدين بن أيوب سنة خمس وستين وخمسمائة. ثـم ظهـر فـي سـواد الكوفـة سنـة ثمـان وخمسيـن ومائتيـن مـن دعـاة الرافضـة رجـل اسمـه الفـرج بـن يحيى ويدعى قرمط بكتاب زعم أنه من عند أحمد بن محمد بن الحنفية فيه كثير من كلمات الكفر والتحليـل والتحريـم وادعـى أن محمـد بـن الحنفيـة هو المهدي المنتظر وعاث في بلاد السواد ثم في بلـاد الشام وتلقب وكرويه بن مهرويه واستبد طائفة منهم بالبحرين ونواحيها ورئيسهم أبو سعيد الجنابـي وكان له هناك ملك ودولة أورثها بنيه من بعده إلى أن انقرضت أعوامهم كما يذكر في أخبار دولتهم. وكان أهل البحرين هؤلاء يرجعون إلى دعوة العبيديين بالمغرب وطاعتهم. ثم كان بالعراق من دعاة الإسماعيلية وهـؤلاء الرافضـة طوائـف آخـرون استبـدوا بكثيـر مـن النواحي ونسب إليهم فيها القلاع: قلعة الموت وغيرها وينسبون تارة إلى القرمطة وتارة إلـى العبيديين وكان من رجالاتهم الحسن بن الصباح في قلعة الموت ما إلى أن انقرض أمرهم آخر الدولة السلجوقية. وكان باليمامة ومكة والمدينة من بعـد ذلـك دول للزيديـة والرافضـة فكـان باليمامـة دولـة لبنـي الأخضـر وهـو محمـد بـن يوسـف بن إبراهيم بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى خرج أخـوه إسماعيـل بـن يوسـف فـي باديـة الحجـاز سنـة اثنتين وخمسين ومائتين مكة. ثم مات فمضى أخوه محمد إلى اليمامة فملكها وأورثها لبنيه إلى أن غلبهم القرامطة. وكان بمكة دولة لبني سليمان بن داود بن حسن المثنى خرج محمد بن سليمان أيام المأمون وتسمى بالناهض وملك مكة واستقرت إمارتها في بنيه إلى أن غلبهم عليها الهواشم وكبيرهم محمـد بـن جعفـر بـن أبـي هاشـم محمـد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون فملكها من إبراهيم سنة أربع وخمسين وأربعمائة وغلب بني حسن على المدينة وداول الخطبـة بمكـة بيـن العباسييـن والعبيدييـن واستفحل ملكه في بنيه إلى أن انقرضوا آخر المائة السادسة وغلب على مكة بنو أبي قمي أمراؤها لهذا العهد. ملك أولهم أبو عزيز قتادة بن إدريـس مطاعـن بـن عبـد الكريـم بـن موسـى بـن عيسـى بـن محمـد بـن سليمـان بـن عبـد اللـه بـن موسى الجون وورث دولة الهواشم وملكهم أورثها بنيه إلى هذا العهد كما نذكر في أخبارهم وهؤلاء كلهم زيدية. وبالمدينـة دولـة للرافضـة لولـد الهنـاء. قال المسبحي: اسمه الحسن بن طاهر بن مسلم وفي كتاب العتبي مؤرخ دولة ابن سبكتكين أن مسلما اسمه محمد بن طاهر وكان صديقاً لكافور ويدبر أمـره وهـو مـن ولـد الحسـن بـن علـي زيـن العابديـن. واستولـى مسلـم علـى المدينـة أعـوام ستيـن وثلاثمائـة وأورثها بنيه لهذا العهد كما نذكر في أخبارهم والله وارث الأرض ومن عليها.
المغرب الخبر عن الأدارسة ملوك المغرب الأقصى ومبدأ دولتهم وانقراضها ثم تجددها مفترقة في نواحي المغرب لمـا خـرج حسيـن بـن علـي بـن حسـن المثلـث بـن حسـن المثنـى بـن الحسن السبط بمكة في ذي القعدة سنة ست وتسعين ومائة أيام المهدي واجتمع عليه قرابته وفيهم عماه إدريس ويحيى وقاتلهم محمـد بـن سليمـان بـن علـي بعجـة علـى ثلاثـة أميـال عـن مكـة فقتـل الحسيـن فـي جماعـة من أهل بيته وانهزمـوا وأسـر كثيـر منهـم. ونجـا يحيـى بـن إدريـس وسليمـان وظهـر يحيـى بعد ذلك في الديلم وقد ذكرنا خبره من قبل وكيف استنزله الرشيد وحبسه. وأما إدريس ففر ولحق بمصر وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بـن المنصـور ويعـرف بالمسكيـن وكـان واضـح يتشيـع فعلـم شـأن إدريـس وأتاه إلى الموضع الذي كان به مستخفيا ولم ير شيئـا أخلـص مـن أن يحملـه علـى البريـد إلـى المغـرب ففعل ولحق إدريس بالمغرب الأقصى هو ومولاه راشـد ونـزل بوليلـى سنـة اثنتيـن وسبعيـن وبهـا يومئـذ إسحـاق بـن محمـد بـن عبد الحميد أمير أوربة وكبيرهم لعهده فأجاره وأجمع البرابر على القيام بدعوته وكشف القناع في ذلـك واجتمعـت عليه زواغة ولواتة ومدراته وغياثة ونفرة ومكناسة وغمارة وكافة البربر بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره. وخطب الناس يوم بويع فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه لا تمدن الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا ولحق به من إخوته سليمان ونزل بأرض ولمـا استوثـق أمر إدريس وتمت دعوته زحف إلى البرابرة الذين كانوا بالمغرب على دين المجوسية واليهودية والنصرانية مثل قندلاوة وبهلوانة ومديونة ومازار وفتـح تامستـا ومدينـة شالـة وتـادلا وكان أكثرهم على دين اليهودية والنصرانية فأسلموا على يديه طوعـاً وكرهـاً وهـدم معاقلهـم وحصونهـم. ثـم يزحـف إلى تلمسان وبها من قبائل بني يعرب ومغراوه سنة ثلاث وسبعين ولقيه أميرها محمد بن حرز بن جزلان فأعطاه الطاعة وبذل له إدريس الأمان ولسائر زناتة فأمكنه مـن قيـاد البلـد وبنـى مسجدهـا وأمـر بعمل منبره وكتب اسمه فيه حسبما هو مخطوط في صفح المنبر لهذا العهد. ورجع إلى مدينة وليلى ثم دس إليه الرشيد مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز ويعرف بالشماخ أنفذه بكتابة إلى ابن الأغلب فأجازه ولحق بإدريس مظهراً النزوع إليه فيمن نزع من وهران المغرب متبرئاً من الدعوة العباسية ومنتحلا للطلب. واختصه الإمام إدريس حلا بعينه وكمان قد تأبط سما في سنون فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان به كما زعموا حتفه ودفن بوليلى سنة خمس وسبعين. وفـر الشمـاخ ولحقـه فيمـا زعمـوا راشـد بوادي ملوية فاختلفا ضربتين قطع فيها راشد يد الشماخ وأجاز الوادي فأعجزه واعتلق بالبرابر من أوربة وغيرهم فجمل من دعوته في ابنه إدريس الأصغر من جاريته كنزه بايعوه حملا ثم رضيعا ثم فصيلا إلى أن شب واستنم فبايعوه بجامع وليلى سنة ثمان وثمانين ابن إحدى عشرة سنة وكان ابن الأغلب دس إليهم الأموال واستمالهم حتى قتلوا راشدا مولاه سنة ست وثمانين وقام بكفالة إدريس من بعده أبو خالد بن يزيد بن إلياس العبدي ولم يزل كذلك إلى أن بايعوا لإدريس فقاموا بأمره وجردوا لأنفسهم رسوم الملك بتجديد طاعته وافتتحوا بلاد المغرب كلها واستوثق لهم الملك بها واستوزر إدريس مصعب بن عيسى الأزدي المسمى بالملجوم من ضربة في بعض حروبهم. وسمته على الخرطوم وكأنها خطام ونزع إليه كثير من قبائل العرب والأندلس حتى اجتمع إليه منهم زهاء خمسمائة فاختصهم دون البربر وكانوا له بطانة وحاشية واستفحل بهم سلطانه. ثـم قتـل كبيـر أوربـة إسحـاق بـن محمـود سنـة اثنتيـن وتسعيـن لمـا أحـس منـه بموالـاة إبراهيـم بـن الأغلـب وكثرت حاشية الدولة وأنصارها وضاقت وليلى بهم فاعتام موضعا لبناء مدينة لهم وكانت فاس موضعا لبني بوغش وبني الخير من وزاغة وكان في بني بوغش مجوس ويهود ونصارى وكان موضع شيبوبة منها بيت نار لمجوسهم وأسلموا كلهم على يده. وكانت بينهم فتن فبعث للإصلـاح بينهـم كاتبـه أبـا الحسـن عبـد الملـك بـن مالـك الخزرجـي. ثم جاء إلى فاس وضرب أبنيته بكـزواوه وشـرع بنائهـا فاختـط عـدوة الأندلـس سنـة اثنيـن وتسعين. وفي سنة ثلاث بعدها اختط عدوة والقرويين وبنى مساكنه وانتقل إليها وأسس جامع الشرفاء وكانـت عـدوة القروييـن مـن بـاب السلسلـة إلـى غديـر الجوزاء والجرف واستقام له أمر الخلافة وأمر القائمين بدعوته وأمر العز والملك. ثم خرج غازيا المصامدة سنة سبع وتسعين فافتتح بلادهم ودانوا بدعوته. ثم غزا تلمسان وجدد بناء مسجدها وإصلاح منبرها وأقام بها ثلـاث سنيـن وانتظمـت كلمـة البرابـرة وزناتـة ومحوا دعوة الخوارج منهم واقتطع الغربيين عن دعوة العباسيين من لدن الشموس الأقصى إلى شلف. ودافع إبراهيم بن الأغلب عن حماه بعد ما ضايقه بالمكاد واستقاد الأولياء واستمال بهلـول بـن عبـد الواحـد المظفـري بمـن معه من قومه عن طاعة إدريس إلى طاعة هارون الرشيد. ووفد عليه بالقيروان واستراب إدريس بالبرابرة فصالح إبراهيم بن الأغلب وسكن من غربه. وعجز الأغالبة من بعد ذلك عن مدافعة هؤلاء الأدارسة ودافعوا خلفاء بني العباس بالمعاذير بالغض من إدريس والقدح في نسبه إلى أبيه إدريس بما هو أوهن من خيوط العناكب. وهلك إدريس سنة ثلاث عشرة وقام بالأمر من بعده ابنه محمد بعهده إليه فأجمع أمره بوفاة جدتـه كنـزة أم إدريـس علـى أن يشـرك إخوتـه في سلطانه ويقاسم ممالك أبيه. فقسم المغرب بينهم أعمـالا اختـص منهـا القاسـم بطنجـة وبسكـرة وسبتـه وتيطاويـن وقلعـة حجـر النسر وما إلى ذلك من البلاد والقبائل واختص عمر بتيكيسان وترغة وما بينهما من قبائل صنهاجة وغمارة واختص داود ببلاد هوارة وتسول وتازى وما بينهما من القبائل: مكناسـة وغياثـة واختـص عبـد اللـه بإغمات وبلد نفيس وجبـال المصادمـة وبلـاد لمطـة والسـوس الأقصـى واختـص يحيـى بأصيـلا والعرائش وبلاد زوغة وما إلى ذلك. واختص عيسى بشالة وسلا وأزمور وتامستا وما إلى ذلك من القبائل. واختص حمزة بوليلى وأعمالها وأبقى الباقين في كفالتهم وكفالة جدتهم كنزة لصغرهـم. وبقيت تلمسان لولد سليمان بن عبد الله. وخرج عيسى بأزمور على أخيه محمد طالباً الأمر لنفسه فبعث لحربه أخاه عمر بعد أن دعا القاسم لذلك فامتنع. ولما أوقع عمر بعيسى وغلب علـى مـا فـي يـده إستنابـه إلـى أعمالـه بـإذن أخيـه محمـد. ثـم أمـره أخـوه محمـد بالنهـوض إلـى حـرب القاسـم لقعـوده عـن إجابتـه فـي محاربـة عيسـى فزحـف إليـه وأوقـع بـه واستناب عليه إلى مـا فـي يـده فصـار الريـف البحـري كلـه مـن عمـل عمـر هـذا من تيكيسان وبلاد غمارة إلى سبتة ثم إلـى طنجـة. وهـذا ساحـل البحـر الرومـي ثـم ينعطـف إلـى أصيـلا ثم سلا ثم أزمور وبلاد تامستا وهذا ساحل البحر الكبير. وتزهد القاسم وبنى رباطاً بساحل أصيلا للعبادة إلى أن هلك. واتسعـت ولايـة عمـر بعمل عيسى والقاسم وخلصت طويته لأخيه محمد الأمير وهلك في إمارة أخيـه محمـد ببلـد صنهاجـة بموضـع يقـال لـه فـج الفـرص سنة عشرين ومائتين ودفن بفاس وعمر هذا هو جد المحموديين الدائلين بالأندلس من بني أمية كما نذكره. وعقـد الأميـر محمـد علـى عملـه لولـده علـي بن عمر. ثم كان مهلك الأمي ومحمد لسبعة أشهر من مهلـك أخيـه عمـر سنـة إحـدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف ولده علياً في مرضه وهو ابن تسع سنين فقام بأمره الأولياء والحاشية من العرب وأوربة وسائر البربر وصنائع الدولة وبايعوه غلاماً مترعرعاً وقامـوا بأمـره وأحسنـوا كفالتـه وطاعتـه فكانـت أيامـه أيـام وهلـك سنـة أربـع وثلاثين لثلاث عشرة سنة من ولايته وعهد لأخيه يحيى بن محمد فقام بالأمر وامتد سلطانه وعظمت دولته وحسنت آثار أيامه. واستجدت فاس في العمران وبنيت بها الحمامات والفنادق للتجار وبينت الأرباض ورحل إليهـا النـاس مـن الثغور القاصية واتفق أن نزلتها امرأة من أهل القيروان تسمى أم البنين بنت محمد الفهري وقال ابن أبي ذرع اسمها فاطمة وإنها من هوارة. وكانت مثرية بموروث أفادته من ذويها واعتزمت علـى صرفـه فـي وجـوه الخيـر فاختطـت المسجـد الجامـع بعـدوة القروييـن أصغـر مـا كـان سنـة خمس وأربعين في أرض بيضاء كان أقطعها الإمام إدريس وأنبطت بصحنها بئراً شراباً للناس فكأنما نبهت بذلك عزائم الملوك من بعدها ونقلت إليه الخطبة من جامع إدريس لضيق محلته وجوار بيته. واختط بعد ذلك أحمد بن سعيد بن أبي بكر اليغرني صومعته سنة خمس وأربعين وثلاثمائة علـى رأس مائـة سنـة من اختطاط الجامع حسبما هو منقوش في الحجارة بالركن الشرقي منها. ثم أوسع في خطته المنصور بن أبي عامر وجلب إليه الماء وأعذ له السقاية والسلسلة بباب الحفـاة منـه. ثم أوسع في خطته آخر ملوك لمتونة من الموحدين وبنى مرين واستمرت العمارة به وانصرفـت هممهـم إلـى تشييـده والمنافسـات فـي الاحتفـال بـه فبلـغ الاحتفـال فيـه ما شاء الله حسبما هـو مذكـور فـي تواريـخ المغـرب. وهلـك يحيـى هـذا سنة وولي ابنه يحيى بن يحيى فأساء السيرة وكثر عيثه في الحرم وثارت به العامة لمركب شنيع أتاه وتولى كبر الثورة عبد الرحمن بن أبي سهل الحزامي وأخرجوه من عدوة القرويين إلى عدوة الأندلسيين فتوارى ليلتين ومات أسفـا لليلتـه. وانقطـع الملـك مـن عقب محمد بن إدريس. وبلغ الخبر بشأن يحيى إلى ابن عمه علي بن عمـر صاحب الريف. واستدعاه أهل الدولة من العرب والبربر والموالي فجاء إلى فاس ودخلها وبايعوه واستولى على أعمال المغرب إلى أن ثار عليه عبد الرزاق الخارجي خرج بجبال لمتونة وكـان علـى رأي الصفريـة فزحـف إلـى فاس وغلب عليها ففر إلى أوربة وملك عبد الرزاق عدوة الأندلس وامتنعت منه عدوة القرويين وولوا على أنفسهم يحيى بن القاسم بن إدريس وكـان يعرف بالصرام بعثوا إليه فجاءهم في جموعه وكانت بينه وبين الخارجي حروب. ويقال إنه أخرجـه مـن عـدوة الأندلـس واستعمـل عليهـا ثعلبـة بـن محـارب بـن أبـي صفـرة. ثـم استعمل ابنه عبد اللـه المعـروف بعبـود من بعده ثم ابنه محارب بن عبود بن ثعلبة إلى أن اغتاله الربيع بن سليمان سنـة اثنتيـن وتسعيـن ومائتين. وقام بالأمر مكانه يحيى بن إدريس بن عمر صاحب الريف وهو ابـن أخـي علـي بـن عمر فملك جميع أعمال الأدارسة وخطب له على سائر أعمال المغرب وكان أعلى بني إدريس ملكا وأعظمهم سلطانـا وكـان فقيهـاً عارفـاً بالحديـث ولـم يبلـغ أحـد مـن الأدارسة مبلغه في السلطان والدولة. وفي أثناء ذلك كله خلط الملك للشيعة بإفريقيا وتغلبوا على الإسكندرية واختطوا المهدية كما نذكره في دولة كتامة. ثم طمحوا إلى ملك المغرب وعقدوا لمضالة بن حبوس كبير مكناسة وصاحب تاهرت علـى محاربـة ملوكـه سنـة خمـس وثلاثمائة فزحف إليه في عساكر مكناسة وكتامة وبرز لمدافعته يحيى بن إدريس صاحـب المغـرب بجموعه من المغرب وأولياء الدولة من أوربة وسائر البرابرة والموالي والتقوا على مكناسة وكانـت الدبـرة علـى يحيـى وقومـه ورجـع إلـى فاس مغلولا وأجاز له بها معاملة إلى أن صالحه على مال يؤديه إليه وطاعة معروفة لعبيد الله الشيعي سلطانه يؤديها فقبل الشرط وخرج عن الأمر وخلع نفسه وأنفذ بيعته إلى عبيد الله المهدي وأبقى عليه مصالحه في سكنى فاس وعقد له على عملها خاصة وعقد لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسـة يومئـذ وصاحـب سنوروتازه على سائر أعمال البربر كما نذكره في أخبار مكناسة ودولة موسى. وكان بين موسى بن أبي العافية وبين يحيى بن إدريس شحناء وعداوة يضطغنها كل واحد لصاحبـه حتـى إذا عـاد مضالـة إلـى المغـرب فـي غزاتـه الثانيـة سنـة تسـع أغـزاه موسـى بن أبي العافية بطلحة بن يحيى بن إدريس صاحب فاس فقبض عليه مضالة استصفى أمواله وذخائره وغربه إلـى أصيـلا والريـف عمـل ذي قربـاه ورحمـه وولـى على فاس ريحان الكتامي. ثم خرج يحيى يريد إفريقيـا فاعترضـه ابـن أبـي العافيـة وسجنـه سنتيـن وأطلقـه ولحـق بالمهديـة سنـة إحـدى وثلاثيـن وهلك فـي حصـار أبـي يزيـد سنـة واستبـد ابـن أبـي العافيـة بملـك المغـرب وثار على ريحان الكتامي بفاس سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقب بالحجام ونفى ريحان عنها وملكها عامين وزحف للقاء موسى بن أبي العافية وكانت بينهما حروب شديدة هلك فيها ابنه منهال بن موسى وانجلت المعركة على أكثر من ألف قتيل وخلص الحسن إلى فاس منهزماً وغدر به حامد بن حمدان الأوربي واعتقله. وبعث إلى موسى فوصل إلى فاس وملكها وطالبه بإحضار الحسن فدافعه عن ذلك وأطلق الحسـن متنكـراً فتدلـى مـن السـور فسقـط ومـات مـن ليلته. وفر حامد بن حمدان إلى المهدية وقتل موسى بن أبي العافية عبد الله بن ثعلبة بن محـارب وابنيـه محمـداً ويوسـف وذهـب ملـك الأدارسـة واستولـى ابن أبي العافية على جميع المغرب وأجلى بني محمد بن القاسم بن إدريس وأخـاه الحسن إلى الريف فنزلوا البصرة واجتمعوا إلى كبيرهم إبراهيم بن محمد بن القاسم أخي الحسـن وولـوه عليهـم واختـط لهـم الحصن المعروف بهم هنالك وهو حجر النسر سنة سبع عشرة وثلاثمائة أنزلوه وبنو عمر بن إدريس يومئذ بغمارة من لدن تيجساس إلى سبتة وطنجة وبقي إبراهيم كذلك. وشمر الناصر المرواني لطلب المغرب وملك سبتة علي بن إدريس سنة تسع عشـرة وكبيرهـم يومئـذ أبـو العيش بن إدريس بن عمر فانجابوا له عنها وأنزل بها حاميته. وهلك إبراهيم بن محمد كبير بني محمد فتولى عليهم من بعده أخوه القاسم الملقب بكانون وهو أخو الحسن الحجام واسمه القاسم بن محمد بن القاسم وقام بدعوة الشيعة انحرافا عن أبي العافية ومذاهبه. واتصل الأمر في ولده وغمارة أولياؤهم لقائمون بأمرهم كما نذكره في أخبار غمارة. ودخلت دعوة المروانيين خلفاء قرطبة إلى المغرب وتغلبت زناتة على الضواحي. ثم ملك بنو يعـرب فـاس وبعدهـم مغـراوة وأقـام الأدارسـة بالريـف مـع غمارة وتجدد لهم به ملك في بني محمد وبني عمر بمدينة البصرة وقلعة حجر النسر ومدينة سبتة وأصيلا. ثم تغلب عليهم المروانيون وأثخنوهم إلى الأندلس ثم أجازوهم إلى الإسكندرية. وبعث العزيز العبيدي بن كانون منهم لطلب ملكهم بالمغرب فغلبه عليه المنصور بن أبي عامر وقتله.وعليه كان انقراض أمرهم وانقراض سلطان أوربة من المغرب وكان من أعقاب الأدارسة الذين أووا إلـى غمـارة فكانـوا الدائليـن مـن ملـوك الأمويـة بالأندلـس. وذلـك أن الأدارسـة لمـا انقـرض سلطانهـم صـاروا إلـى بلـاد غمـارة واستجـدوا بهـا رياسة واستمرت في بني محمد وبني عمر من ولد إدريس بن إدريس وكانت للبربر إليهم بسبب ذلك طاعة وخلطة. وكان بنو حمود هؤلاء مـن غمـارة فأجـازوا مـع البربـر حيـن أجـازوا في مظاهرة المستعين. ثم غلبوه بعد ذلك على الأمر وصار لهم ملك الأندلس حسبما تذكر في أخبارهم. وأما سليمان أخو إدريس الأكبر فإنه فر إلى المغرب أيام العباسيين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس وطلب الأمر هناك فاستنكره البرابرة وطلبه ولاة الأغالبة فكان في طلبهم تصحيـح نسبـه. ولحـق بتلمسان فملكها وأذعنت له زناتة وسائر قبائل البربر هنالك وورث ملكه ابنه محمد بن سليمان على سننه ثم افترق بنوه على ثغور المغرب الأوسط واقتسموا ممالكه ونواحيـه فكانـت تلمسـان مـن بعـده لابنـه محمـد بن أحمد بن القاسم بن محمد بن أحمد وأظن هذا القاسم هو الذي يدعي بنو عبد الواد نسبه فإن هذا أشبه من القاسم بن إدريس بمثل هذه الدعوى. وكانت ارشكول لعيسى بن محمد بن سليمان. وكان منقطعاً إلى الشيعة. وكانت جـراوة لإدريـس بـن محمـد بـن سليمـان ثـم لابنـه عيسـى وكنيتـه أبـو العيش ولم تزل إمارتها في ولده ووليهـا بعـده ابنـه إبراهيـم بـن عيسـى ثم ابنه يحيى بن إبراهيم ثم أخوه إدريس بن إبراهيم وكان إدريس بن. إبراهيم صاحب أرشكول منقطعا إلى عبد الرحمن الناصر وأخوه يحيى كذلك. وارتـاب مـن قبلـه ميسـور قائـد الشيعة فقبض عليه سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ثم انحرف عنهم فلمـا أخـذ ابـن أبـي العافيـة بدعـوة العلويـة نابـذ أوليـاء الشيعـة فحاصـر صاحـب جـراوة الحسـن بن أبي العيـش وغلبـه علـى جـراوة فلحـق بابن عمه إدريس بن إبراهيم صاحب أرشكول. ثم حاصرها البوري بن موسى بن أبي العافية وغلب عليهما وبعث بهما إلى الناصر فأسكنهما قرطبـة وكانـت تنـس لإبراهيـم بـن محمـد بن سليمان ثم لابنه محمد من بعده ثم لابنه يحيى بن محمد ثم ابنه علي بن يحيى وتغلب عليـه زيـري بـن منـاد سنـة اثنتيـن وأربعيـن وثلاثمائـة ففـر إلـى الجبـر بـن محمـد بن خزر وجاز ابناه حمزة ويحيى إلى الناصر فتلقاهما رحبا وتكرمة. ورجع يحمى منهما إلى طلـب تنـس فلـم يظفـر بهـا. وكـان مـن ولـد إبراهيـم هـذا أحمـد بـن عيسـى بـن إبراهيـم صاحـب سـوق إبراهيم وسليمان بن محمد بن إبراهيم من رؤساء المغرب الأوسط. وكان من بني محمد بن سليمـان هـؤلاء وبطوش بن حناتش بن الحسن بن محمد بن سليمان قال ابن حزم وهم بالمغرب كثير جداً وكان لهم بها ممالك وقد بطل جميعها ولم يبق منهم بها رئيـس بنواحـي بجايـة. وحمل بني حمـزة هـؤلاء جوهـر إلـى القيـروان وبقيـت منهـم بقايـا فـي الجبـال والأطـراف معروفـون هنالـك عند البربر والله وارث الأرض ومن عليها. هذه الدعوة فيها اضطراب منذ أولها فلم يتم لصاحبها دولة وذلك أن دعاة العلوية منذ زمان المعتصم من الزيدية كما شرحناه وكان من أعظمهم الذين دعا لهم شيعتهم بالنواحي علي بن محمـد بـن أحمـد بـن عيسـى بـن زيد الشهيد ولما اشتهر أمره فر وقتل ابن عمه علي بن محمد بن الحسن بن علي بن عيسى وبقي هو متغيباً فادعى صاحب الزنج هذا سنة خمس وخمسين ومائتيـن أيـام المهـدي أنـه هـو فلما ملك البصرة ظهر هذا المطلوب ولقيه صاحب الزنج حياً معروفاً بين النـاس فرجـع عـن دعـوى نسبـه وانتسـب إليـه إلـى يحيـى بـن يزيـد قتيـل الجـون ونسبـه المسعـودي إلـى طاهر بن الحسين بن علي وقال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر. ويشكل ذلك بأن الحسين بن فاطمة لم يكن له عقب إلا من زين العابدين قاله ابن حزم وغيره فإن أراد بطاهر طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن عبيد الله بن حسن الأصغر بن زين العابديـن فتطـول سلسلة نسبه وتشتمل على اثني عشرة إلى الحسين بن فاطمة ويبعد ذلك إلى العصر الذي ظهر فيه. والذي عليه المحققون الطبري وابن حزم وغيرهما أنه رجل من عبد القيـس مـن قريـة تسمـى ودريفن من قرى الري واسمه علي بن عبد الرحيم حدثته نفسه بالتوثب ورأى كثرة خروج الزيدية من الفاطميين فانتحل هذا النسب وادعاه وليس من أهله. ويصدق هذا أنه كان خارجياً على رأي الأزارقة يعلن الطائفتين من أهل الجمل وصفين وكيف يكون هـذا مـن علـوي صحيـح النسـب ولأجل انتحاله هذا النسب وبطلانه في دعاويه فسد أمره فقتل ولم تقم له دولة بعد أن فعل الأفاعيل وعاث في جهات البصرة واستباح الأمصار وخربهـا وهـزم العساكـر وقتـل الأمـراء الأكابر واتخذ لنفسه حصونا قتل فيها من جاوبه لمكره سنة الله في عباده. وسيـاق الخبـر عنـه أنـه شخص من الذين حجبوا ببغداد مع جماعة من حاشية المنتصر ثم سار إلى البحرين سنة تسع وأربعين ومائتيـن فادعـى أنـه علـوي مـن ولـد الحسيـن بـن عبيـد اللـه بـن عبـاس بـن علـي ودعـا النـاس إلـى طاعتـه فاتبعـه كثيـر مـن أهـل هجـر. ثـم تحـول إلى الإحساء ونزل على بعض بني تميم ومعه قوارة يحيى بن محمد الأزرق وسليمان بن جامع وقاتل أهل البحرين فهزموه وافترقـت العـرب عنـه ولحـق بالبصـرة والفتنـة فيها بين البلالية والسعدية وبلغ خبره محمد بن رجاء العامـل فطلبـه فهـرب وحبـس ابنـه وزوجتـه وبعـض أصحابـه ولحق هو ببغداد فانتسب إلى عيسى بـن زيـد الشهيـد كمـا قلنـاه وأقـام بها حولا. ثم بلغه أن البلالية والسعدية أخرجوا محمد بن رجاء مـن البصـرة وأن أهلـه خلصـوا فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين ومعه يحيى بن محمد وسليمان بن جامع. ومن أهل بغداد الذين استمالهم جعفر بن محمد الصمدحاني وعلي بن أبان وعبدان غير من سمينـا فنـزل بظاهـر البصـرة ووجـه دعوتـه إلـى العبيـد مـن الزنـوج وأفسدهـم علـى مواليهـم ورغبهـم في العتق ثم في الملك واتخذ راية رسم فيها "
وما كان لهم من الدولة بطبرستان للداعي وأخيه أولا. ثم للأطروش وبنيه وتصاريف ذلك إلي انقضائه كـان أبـو جعفـر المنصور قد اختص من العلوية من بني الحسن السبط حافده الحسن بن زيد بن الحسن وولاه المدينة وهو الذي امتحن الإمام مالكا رحمه الله كما هو معروف. وهو الذي أغرى المنصور عن قبل ببنـي حسـن وأخبـره بدسيسـة محمـد المهـدي وابنـه عبـد اللـه فـي شـأن الدعـاء لهم حتى قبض عليهم وحملهم إلى العراق كما قدمناه. وكان له عقب بالري منهم: الحسن بن زيـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن الحسـن والـي المدينة ولما حدث بين عامل طبرستان محمد بن أوس الكافـل بهـا لسليمـان بـن عبـد اللـه بـن طاهـر نائبـاً عـن محمـد بـن طاهر صاحب خراسان وبين محمد وجعفر من بني رستم من أهل نواحي طبرستان حادث فتنة وقد تقدم ذكرها أغروا به أهل تلك النواحي وبعثوا إلى الديلم ليستنجدوا بهم عليه وكانوا على المجوسية يومئذ وهم حرب لمحمد بن أوس لدخوله بلادهم وقتله وسبيه منهم أيام المسالمة وملكهم يومئـذ وهشـوذار بـن حسان فأجابوا ابني رستم إلى حربه. وبعـث ابنـا رستـم إلـى محمـد بـن إبراهيـم بطبرستـان لكـون الدعـوة له فامتنع ودلهم على الحسن بن زيد بالري فاستدعوه بكتاب محمد بن إبراهيم فشخص إليهم وقد اتفق الديلم وابنا رستم وأهـل ناحيتهـم علـى بيعتـه فبايعـوه وانضـم إليهـم أهـل جبـال طبرستان. وزحف إلى آمد فقاتله ابن أوس دونـه وخالفـه الحسـن بـن زيـد فـي جماعـة إلـى آمـد فملكهـا ونجا ابن أوس إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر بسارية وزحف إليهم الحسن فخرجوا للقائه فناشبهم الحرب وبعث بعض قواده إلى سارية فملكها وانهزم سليمان إلى جرجان واستولى الحسن على معسكره بما فيه وعلى حرمه وأولاده فبعثهم إليه في السفن. ويقـال: إن سليمـان انهـزم لـه لدسيسـة التشيـع التـي كانـت فـي بنـي طاهـر ثـم أقبـل الحسـن بـن زيـد إلى طبرستـان فملكهـا وهـرب عنهـا سليمـان ثـم بعـث الحسـن دعاته إلى النواحي وكان يعرف بالداعي العلـوي فبعـث إلـى الـري القاسـم ابـن عمـه علـي بن إسماعيل وبها القاسم بن علي بن زيد العابدين السمـري فملكهـا واستخلف بها محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى بن حسين الصغير بن زين العابدين. وبعث إلـى قزويـن الحسيـن المعـروف بالكوكبـي بـن أحمـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن محمـد بـن جعفر وهزمه وأسره فبعث الحسن بن زيد قائده دواجن إلى محمد بن ميكال فهزمه وقتلـه وملك الري من يده وذلك سنة خمسين ومائتين. ثـم زحف سليمان بن عبد الله بن طاهر من جرجان في العساكر فأجفل الحسن بن زيد عن طبرستان إلى الديلم ودخلها سليمان. ثم قصد سارية وأتاه ابنا قاران بن شهرزاد من الديلم وأتاه أهل آمد وغيرهم طائعين فصفح عنهم. ثم سار محمد بن طاهر إلى لقاء الحسن فهزمه وقتل من أعيان أصحابه ثلاثمائة وأربعين رجلا. ثم زحف موسى بن بغا لحربهم سنة ثلاث وخمسيـن فلقيـه الحسـن الكوكبـي علـى قزويـن وانهـزم إلـى الديلم واستولى موسى بن بغا على قزوين ثـم رجـع الكوكبـي سنـة سـت وخمسيـن فاستولـى علـى الـري واستولـى القاسـم بـن علـي بعدها على الكرخ سنة سبع ثم زحف الحسن بن زيد إلى جرجان وبعث إليها محمد بن طاهر صاحب خراسان العساكر فهزمهم الحسن وغلبهم عليها وانتقـض أمـر ابـن طاهـر بخراسـان مـن يومئـذ واختلف المغلبون عليه وكان ذلك داعياً إلى انتزاع يعقوب الصفار خراسان من يده. ثم غلبه الحسين سنة تسع وخمسين على قومس.
كان عبد الله السخري ينازعه يعقـوب بـن الليـث الصفـار الرياسـة بسجستـان فلمـا استولـى يعقـوب علـى الأمـر هـرب عبـد اللـه إلى نيسابور مستجيراً بابن طاهر فأجاره. فلما هلك يعقوب الصفـار بنيسابـور هـرب عبـد اللـه إلـى الحسـن بـن زيد ونزل سارية وبعث فيه يعقوب الصفار فلم يسلمه الحسن بن زيد فسار إليه يعقوب سنة ستين وهزمه فلحق أرض الديلم ولحق عبد الله بالري. وملك يعقوب ساريـة وآمـد وجبـى خراجهـا وسـار فـي طلـب الحسـن فتعلـق بجبـال طبرستـان واعترضتـه الأمطـار والأوحـال فلـم يخلـص إلا بمشقـة. وكتب إلى الخليفة بخبر الحسن وما فعله معه وسار إلى الري في طلب عبد الله السخري فأمكنه منه والي الري فقتله. ثم رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان سنة إحدى وستين وغلب عليها أصحاب الصفار واقتطعها عنهم. ثم انتقض السجستاني على يعقوب بن الليث بخراسان وملكها. من يده كما ذكرنـاه فسـار وحاربـه أبـو طلحـة بـن شركـب وأمـره الحسن بن زيد فسار السجستاني إلى محاربته بسبب ذلك سنة خمس وستين وانتزاع جرجان من يده ثم خرج عنها بقتال عمرو بن الليث بعد موت أخيه يعقوب كما نذكر في أخبارهم فملكها الحسن بن زيد. ثم أوقع السجستاني بالحسن بن زيد سنة ست وستين كبسه بجرجان وهو غاز فهزمه ولحق بآمد وملك سارية واستخلف عليها الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله الشيعي بن الحسين الأصغر بن زين العابدين. وانصرف فأظهر الحسن بسارية قتل الحسن بن زيد ودعا لنفسه فبايعه جماعة. ثم وافاه الحسن بن زيد فظفر به وقتله.
ثـم توفـي الحسـن بـن زيـد صاحـب طبرستـان فـي رجـب سنـة سبعيـن وولـي مكانـه أخـوه محمـد وكـان قيامهم أولاً على ابن طاهر كما ذكرناه. ثم غلب يعقوب الصفار على خراسان وانتقض عليه أحمد السجستاني وملكها من يده ثم مات يعقوب سنة خمس وستين وولي مكانه أخوه عمرو وزحف إلى خراسان وقاسم السجستاني فيهـا وكانـت بينهمـا حـروب وكـان الحسـن داعـي طبرستان يقابلهما جميعاً إلى أن هلك وولي مكانه أخوه كما ذكرناه. وكانت قزوين تغلب عليها أثناء ذلك عساكر الموفق ووليها أذكوتكين من مواليهم فزحف إلى الري سنة اثنتين وسبعين وزحـف إليـه محمـد بن زيد في عالم كبير من الديلم وأهل طبرستان وخراسان فانهزم وقتل من عسكره ستة آلاف وأسر ألفان وغنم أذكوتكين عسكره جميعاً وملك الري وفرق عماله في نواحيهـا. ثـم مات السجستاني وقام بأمره في خراسان رافع بن الليث من قواد الظاهرية فغلب محمـد بـن زيـد علـى طبرستـان وجرجـان فلحق بالديلم ثم صالحه سنة إحدى وثمانين وخطب له فيهـا سنـة اثنتيـن وثمانيـن علـى أن ينجـده علـى عمـر بن الليث وكتب له عمرو بن الليث يعذله عن ذلك فأقصر عنه فلما غلب عمرو على رافع رعى لمحمد بن زيد خذلانه لرافع فخلى له عن طبرستان وملكها.
كان عمرو بن الليث لما ملك خراسان وقتل رافع بن هرثمة طلب من المعتضد ولاية ما وراء النهر فولاه. واتصل الخبر بإسماعيل بن أحمد الساماني ملك تلك الناحية فعبر جيحون وهزم جيـوش عمـرو بـن الليـث ورجع إلى بخارى فزحف عمرو بن الليث من نيسابور إلى بلخ وأعوزه العبور. وجاء إسماعيل فعبر النهر وأخذ عليه الجهات بكثرة جموعه فأصبح كالمحاصر. ثم اقتتلـوا فانهـزم عمـرو وأسـره إسماعيـل وبعـث بـه إلـى المعتضـد سنـة ثمان وثمانين فحبسه إلى أن قتل وعقد لإسماعيل على ما كان بيد عمرو. ولما اتصل بمحمد بن زيد واقعة عمرو وأمره سار من طبرستان لا يرى أن إسماعيل يقصدها فلما انتهى إلى جرجان بعث إليه إسماعيل يصده عن ذلك فأبى فسرح إليه محمد بن هرون وكان من قواد رافع بن هرثمة وصار من قواد إسماعيل بن سامان فلقي محمد بن زيد على جرجان واقتتلوا فانهزم محمد بن هارون أولا. ثم رجعت الكرة على محمد بن زيد وافترقت عساكره وقتل من عساكره عالم وأسر ابنه زيد وأصابته هو جراحات هلك منها لأيام قلائل وغنـم ابـن هارون عسكره بما فيه وسار إلى طبرستان فملكها وبعث يزيد إلى إسماعيل فأنزله ببخارى ووسع عليه الإنفـاق واشتـدت عليـه شوكـة الديلـم. وحاربهـم إسماعيـل سنـة تسـع وثمانيـن وملكهـم يومئـذ ابن حسان فهزمهم وصارت طبرستان وجرجان في ملك بني سامان مع خراسان إلى أن ظهر بها الأطروش كما نذكر بعد. ويقال إن زيد بـن محمـد بـن زيـد ملـك طبرستان من بعد ذلك إلى أن توفي ملكها من بعده ابنه الحسن بن زيد.
هذا من ولد عمر بن زين العابدين الذي كان منهم داعي الطالقان أيام المعتصم وقد مـر ذلـك. واسـم الأطـروش الحسـن بـن علـي بـن الحسيـن بـن علـي بـن عمـر دخـل إلـى الديلـم بعـد مقتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ابن حسان فأسلم منهم خلق كثير واجتمعوا عليه وبنى في بلادهم المساجد وحملهـم علـى رأي الزيديـة فدانـوا بـه. ثـم دعاهـم إلـى المسيـر معـه إلـى طبرستـان. وكـان عاملهـا محمـد بـن نـوح مـن قبـل أحمـد بـن إسماعيـل بـن سامـان وكـان كثير الإحسان إليهم فلم يجيبوا الأطروش إلى البغـي عليـه. ثـم عزل ابن سامان عن طبرستان ابن نوح وولى عليها غيره فأساء السيرة فأعاد إليهـا ابـن نـوح ثـم مـات فاستعمـل عليها أبا العباس محمد بن إبراهيم صعلوكا فأساء السيرة وتنكر لرؤساء الديلم فدعاهم الحسن الأطروش للخـروج معـه فأجابـوه فسـار إليهـم صعلـوك ولقيهـم بشاطىء البحر على مرحلة من سالوس فانهزم وقتل من أصحابه نحو من أربعة آلاف وحصر الاطروش بقيتهم في سالوس حتى استأمنوا إليه فأمنهم ونزل آمد. وجـاء صهـره الحسـن بـن قاسـم بـن علـي بـن عبـد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بـن الحسـن بـن زيـد والـي المدينـة وقـد مـر ذكـره فلـم يحضـر قتـل أولئك المستأمنين واستولى الأطروش على طبرستان وتسمى الناصر وذلك سنة إحدى وثلاثمائة ولحق صعلوك بالري وسار منها إلى بغداد. ثـم زحـف الناصـر سنـة اثنتين فخرج عن آمد ولحق بسالوس وبث إليه صعلوك العساكر فهزمهم الحسن الداعي وهو الحسن بن زيد. ثم زحفت إليه عساكر خراسان وهي للسعيد نصر بن أحمد فقتلوه سنة أربع وثلاثمائة وولى صهره وبنوه وكانت بينهم حروب بالديلم كما نذكره. وكان له من الولد أبو القاسم وأبو الحسن وكان قواده من الديلم جماعة منهم ليلى بن النعمان وولاه صهره الحسن بعد ذلك جرجان وما كان بن كالي وكانت له ولاية استراباذ ويقرأ مـن كتاب الديلم وكان من قواده الديلم جماعة أخرى منهم أسفار بن شيرويه من أصحاب ماكان ومرداويج من أصحاب أسفار والسيكـري مـن أصحابـه أيضـاً ومولويـه مـن أصحـاب مرداويـج ويأتي الخبر عن جميعهم. وكـان الحسـن بن قاسم صهر الأطروش وكان رديفه في الأمر حتى كان يعرف بالداعي الصغير واستعمل على جرجان سنة ثمان وثلاثمائة ليلى بن النعمان من كبار الديلم وكان له مكان في قومه وكان الأطروش وأولاده يلقبونه المؤيد لدين الله المنتصر لآل رسول الله وكانت خراسـان يومئذ لنصر بن أحمد من بني سامان. وكـان الدامغان ثغرها من ناحية طبرستان وكان بها فراتكين من موالي ابن سامان فوقعت بينه وبين ليلى حروب وهزمه ليلى واستفحل أمره ونزع إليه فارس مولى فراتكين فأكرمه وأصهر إليه بأخته واستأمن إليه أبو القاسم بن حفص وهو ابن أخت أحمد بن سهل قائد السامانية عندمـا نكـب خالـه أحمـد فأمنـه وأجـاره. ثـم حرضـه الحسـن بـن قاسـم الداعي الصغير على المسير إلـى نيسابـور فسـار إليهـا ومعـه أبـو القاسـم بن حفص فملكها من يد فراتكين سنة ثمان وثلاثمائة. وخطب بها للداعي وأنفذ السعيد نصر عساكره إليه من بخارى مع قائده حمويه بن علي ومعه محمد بن عبيد الله البلعي وأبو جعفر صعلوك وخوارزم شاه وسيجور الدواني ويقر أخان فلقيهم ليلى بطوس وقاتلوه فانهزم إلى آمد ولم يقدر على الحصار ولحقه يقراخان فقبض عليه وبعث حمويه من قتله واستأمن الديلم إليهم فأمنوهم وأشار حمويه بقتلهم فاستجاروا بالقواد وبعث برأس ليلى إلى بغداد وذلك في ربيع من سنة تسع وبقي فارس مولى فراتكين بجرجان. إمارة العلوية بطبرستان بعد الأطروش ولما قتل الحسن الأطروش سنة أربع وثلاثمائة كما قدمناه ولى مكانه بطبرستان صهره وهو الحسن بن القاسم وقـد مـر ذكـره ويسمـى بالداعـي الصغيـر ويلقـب بالناصـر. وبعـض النـاس يقولـون هـو الحسـن بن محمد أخي الأطروش هكذا قال ابن حزم وغيره وليس بصحيح وإنما هو صهره الحسن بن القاسم من عقب الحسين بن زيد والي المدينة. ثم من عقب حافده محمد البطحانـي بـن القاسـم بـن الحسـن وكـان أبـو الحسـن بـن الأطروش باستراباذ فبايع له ما كان بن كالي وقام بأمره فلما قتل ليلى بن نعمان صاحب جرجان وعاد فراتكين إليها ثم انصرف عنهـا وجاءه أبو الحسن بن أطروش باستراباذ فبايع له فملكها فبعث السعيد بن سامان صاحب خراسان قائده سيجور الدواني في أربعة آلاف فارس لحصاره بجرجان فحاصره شهراً ومع الحسن صاحب جيشه سرخاب بن وهشوداب وهو ابن عم ماكان بن كالي فلما اشتد بهم الحصـار خـرج أبـو الحسن وسرخاب في ثمانية آلاف من الديلم والجند فانهزم سيجور أولاً أتبعوه وقد أكمن لهم الكمائن فخرجت عليهم وقتل من الديلم والجند نحو أربعة آلاف وخلص أبو الحسن في البحر إلى استراباذ ولحقه سرخاب فخلفه وأقام سيجرر بجرجان. ثم هلك سرخاب وسار أبو الحسن إلى سارية وإستخلف ماكان بن كالي علـى استرابـاذ فاجتمع إليه الديلم وولوه على أنفسهم وزحف إليه عساكر السعيد بن سامان فحاصروه مدة. ثم خرج عن استراباذ إلى سارية فملكوها وولوا عليها يقراخان وعادوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور ثم سار ماكان بن كالي إلى استراباذ وملكها من يد يقراخان ملك جرجان وأقام بها وذلك سنة عشر وثلائمائة. ثم استولى أسفار بن شيرويه على جرجان واستقل بها وكان سبب ذلك أنه كان من أصحاب ماكان بن كالـي ونكـره لبعـض أحوالـه فطـرده مـن عسكـره وسار إلى أبي بكر بن محمد بن اليسع من السامانية بنيسابور فخدمه وبعثه في عسكر إلى جرجان ليفتحها له وقد كان ماكان سار إلى طبرستان وولى على جرجان مكانه أخاه أبا الحسـن عليـا وكـان أبـو الحسـن بـن الأطـروش معتقـلا عنـده وهم ليله بقتله وقصده في محبسه فظفر به أبو علي وقتله وخرج من الدار. وأختفى وبعث من الغد إلى القواد فبايعوا له وولوا على جيشه علي بن خرشيد ورضوا به. واستقدموا أسفار بن شيرويه فاستأذن بكر بن محمد وقدم عليهم وسار إليهم ماكان بن كالي فحاربـوه وغلبـوه علـى طبرستان وأنزلوا بها أبا علي بن الأطروش فأقام بها أياماً ومات على أثره علي بن خرشيد صاحب جيشه وجاء ماكان بن كالي لحرب أسفار بطبرستان فانهزم أسفار ولحـق ببكـر بـن محمد بجرجان وأقام إلى أن توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة فولاه السعيد على جرجان وأرسل إلى مرداويج بن دينـار الجبلـي وجعلـه أميـر جيشـه وزحفـوا إلـى طبرستـان فملكوها وكان الحسن بن القاسم الداعي قد استولى على الري وقزوين وزنجان وأبهر وقم وقائده ماكان بن كالي الديلمي فسار إلى طبرستان وقاتله أسفار فانهزم ماكان والحسن بـن القاسم الداعي وقتل بخذلان أصحابه إياه لأنه كان يشتد عليهم في تغيير المنكرات فتشاوروا في أن يستقدموا هذرسيدان من رؤساء الجبل وكان خال مرداويج ووشكين فيقدموه عليهم ويحبسوا الحسن الداعي وينصبوا أبا الحسن بن الأطروش. ونما الخبر بذلك إلى الداعي وقدم هذرسيدان فلقيه الداعي مع القواد وأدخلهم إلى عصره بجرجان ليأكلوا من مائدته فدخلوا وقتلهم عن آخرهم فعظمت نفرتهم عنه فخذلوه في هذا الموطن وقتـل واستولـى أسفـار علـى طبرستـان والـري وجرجـان وقزويـن وزنجـار وأبهـر وقـم والكرج ودعا للسعيد بن سامان صاحب خراسان وأقام بسارية واستعمل على آمد هرون بـن بهـرام وقصـد بذلـك استخلاصـه لنفسـه لأنـه كـان يخطـب لأبـي جعفـر مـن ولـد الناصـر الاطروش فولاه آمد وزوجه بإحدى نسائه الأعيان بها وحضر عرسه أبو جعفـر وغيـره مـن العلويين وهجم عليه أسفار يوم عرسه بآمد فقبض على أبي جعفر وغيره من أعيان العلويين وحملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها إلى أن خلصوا من بعد ذلك. ومن تاريخ بعض المتأخرين: أن الحسن بن القاسم الداعي صهر الأطروش بويع بعد موته ولقب الناصر وملك جرجان. وكان الديلم قـد اشتملـوا علـى جعفـر بـن الأطـروش وتابعـوه فصـار الداعـي إلـى طبرستـان وملكهـا ولحـق جعفـر بدنباونـد فقبـض عليـه علـي بـن أحمـد بن نصر وبعث به إلـى علـي بـن وهشـودان بـن حسـان ملـك الديلـم وهو عامله فحبسه علي بن وهشودان بن حسان ملـك الديلـم فلمـا قتـل أطلقـه مـن بعده حسرة فيروز فاستجاش جعفر بالديلم وعاد إلى طبرستان فملكهـا وهـرب الحسـن. ثـم مـات جعفـر فبويـع أبـو الحسـن ابـن أخيـه الحسـن فلمـا ظهـر ماكان بن كالي بايع للحسن الداعي وأخرجه إليه وقبض على الحسن أحمد وهو ابن أخـي جعفـر وحبسـه بجرجان عند أخيه أبي علي ليقتله فقتله الحسن ونجا وبايعه القواد بجرجان. ثم حاربه ما كان فانهزم الحسن إلى آمد ومات بها وبويع أخوه أبو جعفر بن محمد بن أحمد وقصـده مـا كان من الري فهرب من آمد إلى سارية وبها أسفار ابن شيرويه. فقاتل دونه وانهزم أسفار إلى جرجان واستأمن إلى أبي بكر بن محمد بن الياس. ثم بايع ما كان لأبي القاسم الداعي وخرج الحسن إلى الري وطلب مرداويج بثأر خاله سيداب بن بندار. وكان الداعي بجرجـان سنـة إحدى وعشرين وثلاثمائة وانصرف ما كان إلى الديلم ثم ملك طبرستان وبايع بها لأبـي علـي الناصـر بـن إسماعيـل ابـن جعفـر بـن الأطـروش وهلـك بعد مدة. ومضى أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أحمد بن الأطروش إلى الديلم إلى أن غلب مرداويج على الري فكتب إليـه وأخرجه عن الديلم وأحسن إليه. فلما غلب على طبرستان وأخرج ما كان عنها بايع لأبي جعفر هذا وسمي صاحب القلنسوة إلى أن مات وبويع أخوه ولقب الثائـر وأقـام مـع الديلـم. وزحـف سنـة ست وثلاثين إلى جرجان وبها ركن الدولة بن بويه فسرح إليه ابن العميد فانهزم الثائـر وتعلق بالجبال وأقام مع الديلم وملوك العجم يخطبون له إلى أن هلك سنة خمس وخمسين وثلاثمائة لثلاثين سنة من ملكه وبايعوا لأخيه الحسين بن جعفر وتلقب بالناصر وتقبفر عليه ليكوبن وشكس ملك الجبل وسلمه وانقرض ملك الفاطميين أجمع بتلك الجبال والبقاء لله وحده.
|